أزمة الهجرة غير الشرعية.. تصاعد عبور المانش يدفع فرنسا لبروتوكولات بحرية جديدة
أزمة الهجرة غير الشرعية.. تصاعد عبور المانش يدفع فرنسا لبروتوكولات بحرية جديدة
شهد ملف الهجرة غير الشرعية عبر القناة الإنجليزية (المانش) تصاعدًا غير مسبوق هذا العام، مع تجاوز عدد المهاجرين الذين عبروا إلى المملكة المتحدة 39 ألف شخص، هذه الأرقام دفعت السلطات الفرنسية إلى الاستعداد لتجربة استراتيجية اعتراض بحرية جديدة، كانت قد رفضت سابقًا بسبب المخاطر العالية المرتبطة بها.
وأشارت قناة "فرانس 24"، في تقرير لها، اليوم السبت، إلى أن باريس ولندن تسعيان إلى إيجاد حلول أكثر فاعلية للحد من هذه الرحلات غير القانونية، في ظل بيانات وزارة الداخلية البريطانية التي توضح أن عدد محاولات العبور هذا العام يقترب من الرقم القياسي المسجل في 2022 والذي بلغ 45 ألف محاولة.
ويواجه رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر الذي تولى منصبه في يوليو 2024 بعد تعهده بخفض أعداد المهاجرين، نتائج مخيبة للآمال.. ارتفاع متوسط أعداد المهاجرين على القوارب إلى 59 شخصًا مقارنة بـ53 في العام الماضي، وانتشار تقنية ما يُعرف بـ"التاكسي – القارب" الذي يلتقط به المهرّبون المهاجرين مباشرة من المياه، جعلت من عبور قناة المانش وسيلة شبه مضمونة للتهريب.
أزمة قوارب التاكسي
بحسب مكتب مكافحة الاتجار غير المشروع بالمهاجرين، تمثل قوارب "التاكسي" نصف جميع عمليات العبور، بعد أن ارتفع معدل نجاحها إلى نحو 85 في المئة خلال 2025، مقارنة بـ58 في المئة عند الانطلاق من الشاطئ، ويرجع ذلك إلى القيود القانونية التي تمنع سلطات إنفاذ القانون من التدخل بمجرد دخول القارب المياه، حيث يُعطى مبدأ الإنقاذ الأولوية على مبدأ الاعتراض.
في مواجهة هذا الشعور بالعجز، قررت المديرية البحرية للقنال الإنجليزي وبحر الشمال، بالتنسيق مع مديري مقاطعات نورد وسوم وباد كاليه، تجربة نهج اعتراض جديد، عملت عليه أمانة البحار طوال الصيف، وأوضحت صحيفة لوموند أن قوات الدرك ستبدأ تنفيذ عمليات اعتراض بحرية قبل مراحل الصعود على متن القوارب، سواء في عرض البحر أو داخل القنوات والموانئ على ساحل أوبال الذي تنطلق منه غالبية القوارب.
تشمل الإجراءات المقرر تطبيقها توجيه أوامر بالتوقف، شل حركة القارب، تغيير مساره، وتسليم المهاجرين للسلطات المختصة. ورغم غياب وضوح كامل بشأن الإطار القانوني لهذه العمليات، قد تلجأ قوات الإنفاذ إلى استخدام شباك لتعطيل مراوح القوارب.
ضغوط ومخاطر إنسانية
في خطاب نشرته صحيفة لوموند، دعا رئيس الوزراء البريطاني الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى المضي قدمًا في تغيير السياسة، مؤكداً ضرورة تطبيق هذه الأساليب خلال الشهر الحالي، ويأتي ذلك في وقت يحاول فيه ستارمر الحد من أعداد المهاجرين قبل أن تلحق هذه الأرقام ضررًا برئاسته، خاصة في ظل تراجع شعبيته في استطلاعات الرأي.
في فرنسا، أبدى ضباط الشرطة الذين يساندون قوات الدرك على طول الساحل الممتد لأكثر من 2000 كيلومتر بين خليج السوم وبلجيكا، شكوكهم تجاه الإجراءات الجديدة، وقال سيدريك كاست، المندوب الوطني لوحدة شرطة الحدود، إن الصعود إلى السفن قد يثير الذعر على متنها، مشيرًا إلى المخاطر القانونية المحتملة في حال وقوع مأساة.
المخاطر البحرية موجودة بالفعل، ففي منتصف يوليو لقي مهاجران مصرعهما في مايوت إثر اصطدام زورق مهاجرين بزورق دورية للشرطة. بالإضافة إلى ذلك، ما يزال سبعة من أفراد خدمات الإنقاذ العسكرية قيد التحقيق لتقصيرهم في مساعدة شخص كان في خطر، عقب حادث غرق زورق مهاجرين عام 2021 أدى إلى وفاة 27 شخصًا قبالة سواحل كاليه.
الجانب الإنساني يعقد التنفيذ
على الصعيد الإنساني، تواجه أساليب الاعتراض الجديدة معارضة شديدة من منظمات حقوقية، فقد حذرت منظمة العفو الدولية من أن استخدام تقنيات مصممة لإيقاف سفن تهريب المخدرات عالية السرعة ضد قوارب مطاطية مكتظة وغير مستقرة مليئة بأشخاص يبحثون عن الحماية هو نهج خطير ومتهور بطبيعته.
في عام 2024، لقي 78 مهاجرًا مصرعهم أثناء محاولتهم عبور المانش، سواء نتيجة الغرق أو الذعر على متن القوارب التي كانت في حالة سيئة ومكتظة بالركاب، استمرار المخاطر يوضح حجم التحديات التي تواجه السلطات الفرنسية والبريطانية في إدارة هذا الملف الإنساني المعقد.
وتظل مرونة مهربي المهاجرين في التكيف مع أساليب الشرطة أحد أبرز التحديات. ومن المقرر أن يمثل 17 متهماً أمام محكمة ليل يوم الاثنين القادم، بتهمة تهريب أكثر من ألف مهاجر إلى إنجلترا في ربيع 2023، في أول محاكمة تتعلق بمركبات التاكسي المائية في فرنسا، وتعكس هذه القضية مدى التعقيد القانوني والتشغيلي في مواجهة شبكات التهريب الحديثة.
ظاهرة متنامية
عبور القناة الإنجليزية للمهاجرين أصبح ظاهرة متنامية منذ سنوات، مدفوعة بالصراعات والفقر وانعدام الفرص في دول المصدر، وأحدثت تقنيات المهرّبين الحديثة، مثل قوارب التاكسي التي تلتقط المهاجرين مباشرة من المياه، تحولًا في أساليب الهجرة غير الشرعية، وزادت من صعوبة مواجهة الظاهرة للسلطات.
السلطات البريطانية والفرنسية تحاول تحقيق التوازن بين حماية الحدود والالتزام بالقوانين الإنسانية، في حين يتعرض المهاجرون لمخاطر الحياة والموت في البحر، وهذه التحديات تجعل من عبور المانش قضية سياسية، إنسانية وأمنية في آن واحد، وتضع أوروبا أمام اختبار حقيقي لقدرتها على إدارة الأزمات المعقدة بشكل فعال ومسؤول.










